غربة بلا حقوق.. سياسات السفر الجديدة في سوريا بين الغضب والتمييز
غربة بلا حقوق.. سياسات السفر الجديدة في سوريا بين الغضب والتمييز
تشهد الساحة السورية في الأيام الأخيرة توتراً واضحاً بعد إعلان إدارة الهجرة والجوازات عن إجراءات جديدة تحدد مدة صلاحية جوازات السفر التي تُمنح للسوريين في الخارج بناءً على طريقة مغادرتهم للبلاد، ولم يكد التعميم يصدر حتى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي.
وتزايدت حالة الاستياء بين مئات الآلاف من المهجرين والنازحين الذين وجدوا أنفسهم أمام تصنيف قانوني جديد يعيد رسم علاقتهم بالدولة بطريقة يرى الكثيرون أنها تحمل طابعاً تمييزياً ومعاقِباً.
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، اليوم الخميس، أن التعميم ينص على منح المواطنين الذين غادروا سوريا بصورة غير نظامية جواز سفر بصلاحية لا تتجاوز عامين ونصف، وذلك بعد التحقق من أوضاعهم، أما من غادروا بشكل نظامي ولم تكن لديهم مشكلات قانونية، فسيحصلون على جواز سفر صالح لمدة ست سنوات، مع بدء التنفيذ مباشرة في جميع فروع الهجرة والجوازات.
وبمجرد نشر القرار، بدأت موجة انتقادات واسعة تشكك في خلفياته وأبعاده الاجتماعية والسياسية، إذ رأى كثيرون أنه يضاعف من معاناة من اضطروا لمغادرة البلاد منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً بسبب الحرب والتهجير القسري.
غضب في الشارع السوري
يصف كثير من السوريين القرار بأنه خطوة تعمق الفجوة بين الدولة ومواطنيها في الخارج، فالسوري الذي غادر خارج الحدود بحثاً عن حياة آمنة أو نجاة من تهديد مباشر يجد نفسه اليوم أمام معاملة مختلفة تضعه في خانة المساءلة، رغم أن خروجه كان نتيجة لظروف الحرب وانهيار الأمن وفقدان سبل العيش، ويرى ناشطون وحقوقيون أن ربط صلاحية الجواز بطريقة الخروج يعكس نظرة عقابية تجاه شريحة واسعة من المهجرين الذين لم يكن أمامهم سوى طرق غير نظامية للفرار من العنف في سوريا.
ويؤكد هؤلاء أن هذا الإجراء لا يراعي الواقع الإنساني الذي عاشه السوريون طوال السنوات الماضية، حيث كانت الحدود مغلقة والطرق النظامية شبه معدومة، وبالتالي فإن تصنيف ملايين السوريين باعتبار أنهم خرجوا بطريقة غير نظامية يشكل تجاوزإ لمعاناتهم، ويضيف عبئاً جديداً عليهم في دول اللجوء، إذ يضطرون لتجديد جوازاتهم بصورة متكررة وبكلفة مالية إضافية.
ويعتبر منتقدون أن الاختلاف في مدة صلاحية الجوازات يعكس سياسة تمييزية تتعامل مع السوريين وفق معايير سياسية أكثر منها قانونية، ويشير بعضهم إلى أن وصف الخارجين بطرق غير نظامية بأنهم من أذناب وفلول النظام السابق يضيف بعداً اتهامياً يفاقم إحساس المهجرين بالظلم والإقصاء، ويخشى كثيرون أن يؤدي هذا التصنيف إلى تضييق إضافي عليهم في المعاملات الرسمية أو في إجراءات العودة إلى سوريا.
على الجانب الآخر، يقول مؤيدون للقرار إنه يأتي في إطار إعادة تنظيم الملفات القانونية المتعلقة بالسفر والعودة، ويرون أن التحقق من الوضع القانوني لكل مواطن ضرورة لضمان ضبط حركة السفر ومنع استغلال الوثائق الرسمية، لكن هذا الموقف لا يلقى قبولاً واسعاً في أوساط اللاجئين والمهجرين الذين يرون أن القرار جاء دون مراعاة لظروفهم وأنه يزيد من هشاشتهم القانونية في البلدان المضيفة.
موجة عودة واسعة
تزامنت هذه التطورات مع تقرير أصدرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والذي كشف عن عودة نحو 988 ألف لاجئ إلى سوريا منذ سقوط النظام خلال الفترة الممتدة من ديسمبر 2024 حتى منتصف سبتمبر 2025، وأوضحت المفوضية أن النساء شكلن النسبة الكبرى من العائدين، بما يزيد على 513 ألف امرأة مقابل 475 ألف رجل، كما أشارت إلى أن نحو 60 في المئة من العائدين تتراوح أعمارهم بين ثمانية عشر عاماً وتسعة وخمسين، وهي الفئة الأكثر قدرة على العمل والإنتاج.
وعلى الرغم من هذه الأرقام الكبيرة، فإن المخاوف ما زالت تسيطر على الكثيرين ممن يفكرون في العودة، إذ يرون أن الإجراءات الجديدة المتعلقة بجوازات السفر تقدّم مؤشراً على احتمال استمرار السياسات التي تميّز بين المواطنين بناءً على موقفهم أو طريقة خروجهم، ويعزز هذا الشعور غياب ضمانات واضحة تتعلق بالأمن القانوني والاجتماعي للعائدين.
وأثار القرار سلسلة من التساؤلات حول آليات تعامل الدولة السورية مع ملف العودة وإدارة العلاقة مع السوريين المنتشرين في عشرات الدول، ويتساءل السوريون في الخارج عن مدى قدرة هذه الإجراءات على خلق بيئة آمنة تشجع على العودة الطوعية، في ظل استمرار التقارير الحقوقية الدولية التي تتحدث عن مخاوف تتعلق بالاحتجاز والتمييز والإجراءات الأمنية.
ويخشى العديد من المهجرين أن تكون مدة صلاحية الجواز الجديدة جزءاً من سياسة تقنين تهدف إلى الضغط على السوريين للعودة دون توفير ضمانات كافية، أو وسيلة للحد من تحركاتهم في البلدان المضيفة، وفي الوقت ذاته، يرى محللون أن القرار يحمل أبعاداً مالية أيضاً؛ لأن تجديد الجواز لمدة قصيرة يحقق عوائد مالية كبرى، خصوصاً أن جواز السفر السوري يعد من أغلى الجوازات في العالم من حيث رسوم الإصدار والتجديد.
بين الغربة والهوية
منذ أكثر من عقد، يعيش ملايين السوريين خارج بلادهم نتيجة الحرب والانقسام السياسي، ورغم محاولاتهم الحفاظ على روابطهم مع وطنهم، فإن الإجراءات المتغيرة والمتشددة تجعل علاقتهم بمؤسسات الدولة أكثر تعقيداً، ويعكس الجدل الدائر حول القرارات الأخيرة أزمة هوية ممتدة تفاقمت بسبب غياب سياسات عادلة تحترم حقوق المواطنين بغض النظر عن ظروف مغادرتهم.
ويرى خبراء الاجتماع أن الوثائق الرسمية مثل جواز السفر ليست مجرد أوراق بل هي امتداد للحق في الوجود والاعتراف القانوني. وحين تصبح هذه الوثائق أداة للتمييز أو العقاب، تتعمق أزمة الثقة بين المواطن والدولة، وتزداد صعوبة بناء مسار مستقر للعودة أو الاندماج من جديد.
يشكل ملف الهجرة واللجوء أحد أكثر الملفات تعقيداً في الأزمة السورية، إذ اضطر أكثر من ستة ملايين سوري إلى مغادرة البلاد منذ اندلاع الصراع، في حين نزح أكثر من سبعة ملايين داخل الحدود، وتعد وثائق السفر إحدى أبرز المشكلات التي يواجهها السوريون في الخارج نتيجة تعطل السفارات أو تأخر الإجراءات أو ارتفاع الرسوم، كما أن الكثير من السوريين اضطروا لمغادرة البلاد عبر طرق غير نظامية بسبب إغلاق المعابر أو ضعف السيطرة الحكومية خلال سنوات الحرب.
ويؤدي هذا الواقع إلى إشكاليات قانونية عند محاولة تجديد الوثائق أو العودة، كما أن جواز السفر السوري مصنف ضمن الجوازات الأقل قوة من حيث عدد الدول التي تسمح لحامله بالدخول دون تأشيرة، ما يجعل السوريين يعتمدون بشكل أساسي على استقرار وثائقهم الرسمية لتجنب الوقوع في حالة انعدام وضع قانوني في البلدان المضيفة.











